في عام 2003 تبنت المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة وثيقة تضم نقاط جوهرية جديدة لوجهة نظرها عن الماركسية الثورية العالمية. قدمت الوثيقة أراء تنظيرية وبرنامجية تنطلق من البيان المؤسس للمنظمة الشيوعية للاممية الرابعة. ويتناول في نسخته الجديدة التحديات الخاصة التي تواجه بناء حزب ثوري للطبقة العاملة في عالم ما بعد 11 سبتمبر.

وثيقتنا الجديدة تعرض فهمنا وتحليلنا لانهيار الرأسمالية وتراجع الديموقراطية الاجتماعية الاصلاحية وقومية العالم الثالث. كما أنها تعرض باستفاضة تحليلنا وبرنامجنا للصراع في مجالات مهمة من العمل الثوري بدءا من النقابات العمالية وصولا للنضال ضد العنصرية مع التركيز على النضال ضد التعصب ضد العرب وضد السامية.

هدف الوثيقة في مجملها هو اعادة انشاء الاممية الرابعة (الحزب العالمي للثورة الاشتراكية طبقا للماركسية واللينينية والتروتسكية الأصيلة). كما انها تؤكد على أنه مثلما ان الطبقة العاملة هي الوحيدة القادرة على التغلب على الرأسمالية فهي أيضا الوحيدة القادرة على افراز القيادة التي يحتاجها الحزب الثوري. هذا هو المبدأ الماركسي الكلاسيكي الذي كثيرا ما أسئ إليه من ماركسيو الطبقة المتوسطة أو بمعنى أخر "المخلص السماوي" الذين يزعمون أن الطبقة العاملة غير قادرة على تحقيق الوصول ذاتيا للوعي والادراك الشيوعي ويعلنون أيضا ضرورة قيادة "المثقفون المستنيرون" للصراع ضد الرأسمالية. وتصاعد تلك الحجج يمثل فصل أخر يدل على مدى التفكك والانهيار الذي وصلت إليه الأممية الرابعة الأصلية كمنظمة ثورية بما يمثل التاريخ الذي يجب أن نفهمه حتى لا نجعله يعيد نفسه.

إن الأساسات والشروط الموضوعية للقيام بالثورة الاشتراكية وانشاء دولة العمال قد نضجت واكتملت في كل أنحاء العالم. ويكمن التحدي الحاسم أمام الثوار اليوم على المستوى الذاتي في رفع الوعي الثوري لدى شيوعيوا الطبقة العاملة عن طريق بناء وتطوير سلاحها الأهم: حزب الطليعة الثورية


بيان تلخيص النظرية والبرنامج السياسي منظمة شيوعية من اجل الاممية الرابعة

أولا) مقدمة.

أ) إعادة انشاء الأممية الرابعة.

لم يعد شبح الشيوعية يقلق العالم اليوم. فعبر كوكبنا في العقود الأخيرة نهضت الطبقة العاملة بين الحين والآخر ضد حكم الاستغلال والقهر الاجرامي للرأسمالية. ولكن ومنذ الثورة البلشفية عام 1917 لم تؤد هذه الصراعات لانشاء دول عمالية ثورية جديدة ناهيك عن أن تكون شيوعية.

الطبقة العاملة لم تعد بحاجة إلى إعانات الطبقة المتوسطة البيروقراطية أو "المخلص السماوي". والتي كانت جزءا كبيرا من المشكلة وليس جزءا من الحل, ولكن السبب الرئيسي الذي جعل الطبقة الفقيرة عاجزة عن الاستيلاء على السلطة هو غياب قيادة بروليتارية حقيقية. ولذلك تناضل المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة من أجل تجديد قيادة بلشفية واعية. فهي تهتم بشده بإعادة إحياء النظرية والتطبيق للماركسية الثورية الأصيلة. نحن نسعى بالتالي لتنظيم شرائح طليعية من الطبقة العاملة ومن ثمّ تثقيفها من أجل معركة اعادة احياء الأممية الرابعة, حزب البروليتارية العالمية للثورة الاشتراكية.

الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة القادرة على تحقيق وعي اشتراكي من خلال الدروس التي تتعلمها في مسار صراعها. فالصراع الطبقي هو الذي يقود البروليتاريا صاحبة الوعي المتطور لتشكيل طليعة حزبهم الشيوعي. والذي يعتبر بداية جولة ناجحة من أجل الاستيلاء على السلطة وتأسيس دولة العمال. وعلى العكس من ميول الطبقة المتوسطة حول العالم اليوم والتي تقدم نفسها على أنها ماركسية, فإننا نتمسك بهذا الإطار النظري على اعتبار أنه هو وجهة النظر الحقيقية لكل من ماركس وانجلز ولينين (بعد 1905) وتروتسكي.

تحت راية الشيوعية الأصيلة, ومن خلال كراهيتنا الصريحة والعلنية لطبقاتنا الحاكمة وللنظام الإمبريالي, فإننا قد كرسنا حياتنا لهذا النضال. وانطلاقا من روح البيان الشيوعي, فإننا نرفض اخفاء هويتنا السياسية. وولاءنا لطبقتنا أو بوصف تروتسكي "نقول ما هو قائم" كما أشار. ويتلخص برنامجنا في كلمتين "الاشتراكية الثورية". فالخداع والمواربة لم يخدم ابدا القضية الثورية, فالطبقة العاملة واعية للحقيقية والواقع, وبالتالي واعية لحقيقة ما يجب تنفيذه. ونحن ندعو كل البروليتاريا الشيوعية الحقيقة في كل مكان للانضمام إلينا في نضالنا من اجل الإنسانية ومن اجل عالم غير طبقي.

إن بناء منظمة للأممية الرابعة حيوي جدا في الصراع. وكما أصر تروتسكي, فإن الأزمة الحقيقية في عصرنا هي أزمة القيادة البروليتارية. فإننا نرى أن أهم مبادي الماركسية واللينينية البلشفية في عصرنا قد تم تغليفها والإلتفاف عليها بل وتحويلها للنقيض عن طريق معظم المنظمات التي تدعي حمل لوائها ورايتها. فالمبادئ الشيوعية الأساسية قد تم التخلي عنها: وذلك لأن الطبقة العاملة وحدها قد انشأتها الرأسمالية ذاتها لتكون بمثابة حفار القبور. ان استقلال الطبقة العاملة ضرورة حتمية وأولية لوعي الطبقة البروليتارية. حيث أن حزب الثورة هو حزب البروليتاريا نفسها متكونا من أكثر أعضاءها وعيا وخبرة نضالية وهذا الحزب الطليعي يجب أن يكون عابر للقوميات والأجناس, حزب أممي حقيقي لا غنى عنه كعنصر أساسي في كل دولة إذا أردنا للثورة الاشتراكية أن تنتصر.

إن استقلالية المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة هو اجراء أساسي وليس تكتيكي. إن خلافنا مع أشباه الماركسيين هو انتماءهم الطبقي. ولكننا نرحب بين صفوفنا بكل المنشقين عن التيارات الأخرى الذين أثبتوا انهم منتمين فكريا للبروليتاريا والحزب الطليعي الذي يناضل بحماسة للحفاظ على تركيبة الطبقة العاملة وطبيعتها السياسية.

إننا نشدد على تمسكنا بمبدأين يميزان المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة عن المنظمات الأخرى التي تدعي أنها تتبنى الاشتراكية أو الشيوعية. الأول, إننا نكرس مجهوداتنا لفضح وليس اخفاء التنازلات واهتزاز المواقف وخيانات الاصلاحيين الذين يقودون حاليا المنظمات الجماهيرية للعمال والمطحونين. وعلى هذا فإننا نعمل طوال الوقت من اجل رفع الوعي البروليتاري الثوري.

ثانياً: البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة القادرة على اتمام الثورة الاشتراكية. والفكرة القائلة بان قوى الطبقة الغير عاملة قادرة على اشعال الثورة الاشتراكية واقامة دولة العمال لم تعد قاصرة على كونها وجهة نظر الستالينيية ولكنها أصبحت تعبر عن مدى التحلل والتفكك الذي أصاب الاممية الرابعة في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية. فقيادة ميشيل بابلو وارنست ماندل للأممية الرابعة جعلها تعكس رؤية قطاع واسع من بيروقراطيو الطبقة المتوسطة وارستقراطيو العمال اللذان ازدهرا في الدول الامبريالية أثناء طفرة الازدهار في الأربعينيات والخمسينيات. في حين اعتبر تروتسكي كلا من الستالينيين والاشتراكيين الديموقراطيين ومروجو التعاونية الطبقية قوى معادية للثورة. اعتبرهم أنصار بابلو (المدافعين عن دول عمالية مشوهة) ذوي تقدمية محدودة لانشاء دوله العمال لو استحثهم الصراع الجماهيري وإلحاح التروتسكيين.

ب) تفكك الأممية الرابعة.

إن التخلي عن المبادئ الماركسية الحقيقية لم يكن نتيجة مؤامرة من قوى الشر ولكن ذلك كان نتيجة لخيانات ذات طابع طبقي. إن عزل ومحاصرة الثورة البلشفية في روسيا كانت نتيجة أولية للجهود المعادية للثورة التي بذلتها الاشتراكية الديموقراطية الاصلاحية, الضاربة بجذورها في شرائح الارستقراطية العمالية. إن التراجع الأساسي للثورة العمالية أدى إلى نمو البيروقراطية الستالينية ومن ثم انتصارها المعادي للثورة في الاتحاد السوفيتي خلال موجة التطهير الدموية في أواخر عام 1930. وعلى الرغم من أن تروتسكي قد رأى موجة التطهير تلك كـ"حرب أهلية وقائية" ضد البروليتاريا, إلا انه لم يكن يعتقد أن الانهيار السريع للدولة العمالية كان قد بدأ بالفعل.

بحلول عام 1939, أيقن تروتسكي أن ديكتاتورية البروليتاريا السوفيتية كانت منهارة تماما, مملوة بالتناقضات, وتقترب من نهايتها, لدرجة أنه وصفها بالـ" الدولة المعادية للثورة العمالية". وخلافا لتوقعاته التي بناها على اعتقاد خاطئ أنه لا يزال هناك دولة عمالية ولو كانت ضعيفة وجوفاء, فإن الحرب العالمية الثانية لم تؤدي إلى انهيار الستالينية ولكن إلى تمددها. ومنذ البداية تم قمع الثورات العمالية في أوروبا الشرقية من قبل الستالينيين. ولم يكن أبدا لثورات الطبقة العاملة دور في قيام الجبهات الشعبية الجديدة أو ماسمي بال"ديموقراطيات الشعبية". وفي البداية فإن الأممية الرابعة كانت قد اعتبرت أنظمة أوروبا الشرقية الجديدة رأسمالية دولة, ولكنها بعد ذلك في 1940 اعتبرتها "دولا عمالية مشوهة"

في ظل الحكم الستاليني, فإن مختلف الأحزاب الشيوعية المنتمية للأممية الثالثة مثل الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية أتت لتعكس مصالح الطبقة المتوسطة والأرستقراطية العمالية داخل الحركة العمالية العالمية. وفي منتصف عام 1930 وبمساعدة الاشتراكية الديموقراطية, روجت الستالينية بطريقة شعبوية لفكرة أن "بغض النظر عن الفوارق الطبقية فإن الشعب يستطيع دفع قضية التقدم البشري, ويمنع الفاشية, ويمنع مزيدا من الحروب". وحتما أدى ذلك إلى دعم السياسيين من أنصار الإصلاح البرجوازي في جعلهم قادة لحركات اشتراكية واسعة ودعمهم أيضا في الانتخابات. وذلك أدى لدعم حكومات الجبهة الشعبية بالاضافة لاخضاع المصالح العمالية لتلك الاحزاب التعاونية البرجوازية. ومع مرور الوقت فإنها استطاعت تقويض الاحساس العميق بالوعي الطبقي وخاصة حينما استطاعت الاتنشار على نطاق واسع في البروليتاريا العالمية. أدى ذلك للترويج للقومية على حساب الأممية. مما ادى لتآكل الوعي بالقاعدة الماركسية التي تنص على أن الطبقة العاملة في اطار برنامجها الخاص يجب ان تقود بقية حلفاءها من الطبقات المضطهدة. وهكذا مهدت الشعبوية لهزيمة الطبقة العمالية, وخيانة الحركات الجماهيرية, وانتصار الفاشية والحرب العالمية الامبريالية. بالاضافة إلى انها حاولت تجميل الرأسمالية باعطاءها وجه انساني والذي كان في مصلحتها للخفاظ على النظام الرأسمالي بكل مجده الامبريالي القبيح.

في الدول الامبريالية خلال العام 1950, حيث بدأت الاحزاب الاصلاحية في التحرك يميناً تجاه تعاون طبقي مفتوح. بدأ رجال الصف الثاني التروتسكيين على كل طوائفهم سواء من أنصار بابلو أو شاكتمان أو كليف في دعوة من اجل "عضوية ومشاركة عميقة" في الاحزاب الستالينية أو الاشتراكية الديموقراطية, ليس من اجل تفجيرها من الداخل ولكن من أجل دفعها للأمام.

بحلول عام 1952, تم الانتهاء من التفكيك النوعي لبقايا الأممية الرابعة البروليتارية الثورية, وأثناء الثورة البوليفية في بدايات الخمسينيات, أيد قطاع كبير من الاممية الرابعة اليسار القومي البرجوازي. وساهمت هذه الخيانة في اجهاض الثورة, ولم يكن داخل الاممية الرابعة أي قوى تعارض هذا الاستسلام التام. وهذه الحقيقة كانت مؤشر لانتهاء الأممية الرابعة كمركز ثوري. وفي خلال الستينيات والسبعينيات, فإن الانشاقاقات التي قادتها مجموعات متنوعة من الخونة والمندسين كانت غالبا ماتدعم الطبقة المتوسطة لقيادة حرب العصابات الفلاحية, والطليعة الطلابية والاصلاحيين الانتخابيين. عدد لا يحصى من الانقسامات والتي ظهرت غالبا بعد خيانة الثورة البوليفية كانت كلها تحمل وصمات الاصلاحيين أو الاستسلام الوسطي.

وقفت الأحزاب الستالينية الاصلاحية والأحزاب الاشتراكية الديموقراطية كحائط صد رئيسي من اجل الحفاظ على الرأسمالية الامبريالية. وأكد على انهيار شعبيتها وسط الطبقة العاملة فقدها القدرة على السيطرة وحشد وتوجيه الانتفاضات الهائلة التي قامت بها البروليتاريا والتي ضربت كل أركان العالم تقريبا في أواخر الستينييات ووأوائل السبعينيات. ومنذ ذلك الحين انهارت الكتلة الستالينية وتحولت الكتلة الشيوعية لمجرد بقايا وآثار. أما أحزاب العمل والأحزاب الاشتراكية الديموقراطية فقد انحرفت بشده تجاه معسكر اليمين كلما تعمقت أزمة الرأسمالية.

اليوم وتحت تأثير هذه الأزمة, فإن كثيرا من اليساريين الاصلاحيين والمجموعات الوسطية من أشباه الماركسيين تحاول أن تملأ الفراغ الذي تركه الاصلاحيين التقليديين. وبعضهم قد تخلى حتى عما يشبه التروتسكية وعن السعي من أجل انشاء حزب بروليتاري ولا يزال يختبئ خلف صفوف ما تبقى من اصلاحيو اليسار الوسطي التقليدي. ويسعى آخرون لتكوين أحزاب وتحالفات يسارية اصلاحية يفترض أن تكون نقية لتلعب دورا في الحلول محل الأحزاب القديمة. وأيا كان الطريق الذي يختاره الاصلاحيون, فإنهم يستخدمون أشكالهم التنظيمية الجديدة من أجل دعم الشعبويين والتكتلات الجبهوية الفئوية خلال تحالفهم المنبطح مع "الخضر" والاصلاحيون البرجوازيون الراديكاليون. والتي أخذت بالفعل دورها الحقيقي (الذي تخلت عنه الأحزاب التقليدية) في يسار المدافعين عن النظام الرأسمالي تحت غطاء معارضته.

إن المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة تناضل من أجل بعث جديد للثورة البروليتارية. وسوف نناضل من أجل استعادة الماركسية الحقيقية في مواجهة التفسيرات البرجوازية الكهنوتية ولا تقبل التغير أو النقد كأنها عقيدة. ونحن نتعهد بأن نصارع بلا هوادة ماركسيو الطبقة المتوسطة الذين لوثوا نضالنا. إننا نرى أن أزمة الرأسمالية العالمية الآن تتمثل في تفكك وانحلال الطبقة المتوسطة وأرستقراطيو الطبقة العمالية حول العالم. وقد تضاءلت قدرة النظام الراسمالي على التخلي عن القيام باصلاحات تضليلية إلى حد كبير. وبهذا تضاءل دور الاصلاحيين بكل أشكالهم أكثر وأكثر. وكلما تعمقت الازمة الرأسمالية وارتفعت حدة النضال البروليتاري, فإننا نتوقع حدوث استقطاب طبقي لأنصار الحل الوسطي كما أن عناصره التي تبحث عن مستقبل الطبقة العاملة الحقيقية ستتبلور وتخرج من المستنقع. إن المنظمة الشيوعية للاممية الرابعة تتعهد بانها لن تسمح ابدا للطائفية التنظيمية أو السياسية أن تعيقنا من الترحيب والوحدة مع كل القوى الشيوعية المهمة حول العالم خلال نضالها من أجل الإنسانية.

ج) نقطة تحول تاريخية.

نحن عند نقطة تحول رئيسية في تاريخ العالم. ففي عام 1990 في كتابنا "حياة وموت الستالينية" قمنا بتفنيد النصف الأول من القرن العشرين, بحربيه العالميتين, كساد عظيم, فاشية ثم ستالينية. وجاء فيه:

قد لا يبدو ظاهريا أننا مازلنا نعيش في عصر التدهور - حتي بعد انتهاء فترة مابعد الحرب وامكانية حدوث أزمات قاسية تناقش علنا الآن بداخل البرجوازية الغربية. ان الشعور الظاهري هو نجاح الرأسمالية وأوحى بصحته انهيار الأنظمة الأشتراكية الشرقية. (يتبع ص 243)

في وقت لاحق ظهر النظام الجديد متماشيا مع الواقع. وفرضية قيادة الولايات المتحدة للاستقرار في العالم بعد انتصار الرأسمالية أصبحت فقط تثير الضحك. فالقيادة الجديدة تقود أي شئ إلا الإستقرار. وقد عاني اقتصاد العالم لسنوات من نسبة نمو تقارب الصفر. تشغل طبقة البروليتاريا أكثر من نصف سكان العالم ,لكن أكثر من ثلث هذه الطبقة بلاوظيفة حقيقية. ان الفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد في الاتساع والتوحش. حتي في الولايات المتحدة أغني دول العالم ثلثي الطبقة العاملة تعيش تحت المستوي الأدمي الملائم حتي لرعاية الأطفال ومشاركتهم في أنشطة المجتمع. باختصار يمكن القول أن سلعة البروليتاريا كقوة عمل والتي تعتمد عليها الرأسمالية في وجودها ذاته يجرب الآن تدميرها بشكل منهجي.

كلما انهارت كل مبررات الحكم الطبقي, كلما استعد الحكام الرأسماليين للتخلي عن كل شئ في مقابل البقاء في السلطة. بالأمس ابادة جماعية في رواندا واليوم حملة المجازر الصهيونية المنظمة ضد الفلسطينيين هما فقط أمثلة مروعة على الحروب القومية الشرسة التي نشبت في الشرق الأوسط وأفريقيا ويوغوسلافيا السابقة بالإضافة لوسط أسيا والقوقاز. وفي جميع القارات نجد أفواج من اللاجئين الذين فروا من أوطانهم. كل أشكال الارهاب الرجعية التي استهدفت وقف عمليات السلب التي تمارسها الامبريالية المتوحشة حول العالم أدت فقط الي ازدياد وتسارع حملات القضاء على الارهاب بقوي أكثر تطورا من الغرب الرأسمالي. الرأسمالية لا تقدم أي حلول فقط لا تقدم سوى وحشية وهمجية مرة تلو الأخرى من أجل جعل وجود الانسان ذاته أمرا يبعث علي اليأس.

إن استمرار الوجود الانساني شئ ممكن. فقوى الانتاج وصلت للنقطة التي أصبحت بإمكانها الحياة ممكنة بدون جوع او تشرد للجميع. فقط ولا يمنع تحقق ذلك إلا حكم طبقة واحدة لبقية الطبقات. وأصبح واضحا أن العالم يجابه تحدي الاختيار ما بين الاشتراكية الحقيقية أو التوحش البربري للرأسمالية. فلا بديل عن الثورة البروليتارية. ومع ذلك فإن الجزء الاكبر من اليسار في العالم لا يزال مشغولا في الواقعية البرجوازية: الشعبوية, عملية الانتخابات, الديموقراطية والتقدمية القومية. بالإضافة للإيمان بتعاليم فسدت وانحرفت كالماركسية.

إن الوعي بمدى الحاجة للتغير الثوري يتزايد باضطراد, ولكن مقارنة بالماضي أصبح اعتبار الماركسية كمرشد نظري نحو الثورة في أدنى مستوياته اليوم. في ظل هذه الظروف فإن المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة حملت مهمة اعادة صياغة ووضع أغلب المبادئ الأساسية للماركسية والتي يأمل الجميع فيها من اجل راحة البشرية. وتعلمنا الجدلية الماركسية أنه من المستحيل استعادة مفاهيم الماضي بدون منحها تطويرا كافيا. فالعالم وميع الظواهر بدخله في تطور مستمر, ولذلك فإن الرأسمالية اتساقا مع ذاتها يجب ان تتطور أيضا.

ثانيا) المبادئ الأساسية للماركسية.

أ) الرأسمالية وتركيبها الطبقي.

تستند الرأسمالية (النموذج الأكثر تطورا للمجتمع الطبقي) على انتزاع فائض القيمة من خلال العمل المأجور. إن الطبقتين الأساسيتين في المجتمع الرأسمالي (الطبقة البرجوازية أو الرأسماليين والطبقة البروليتارية أو العمال) هما نتاج حتمي لطبيعة الانتاج ويقفان من بعضهما موقف عدائي ومتصارع. وكما أكد ماركس فرغم ان الطبقات تتكون من مجموعة من الأفراد إلا انها تتكون كنتاج لطبيعة علاقتهم بعضهم ببعض. والشكل الحتمي للعلاقة بين البرجوازيين والبروليتاريا هو الشكل الاستغلالي أثناء العملية الانتاجية.

وعلى الرغم من أن الرأسمالية قد تفوقت على أي شكل اجتماعي سابق في السيطرة على الطبيعة. إلا أنها تاتي في المؤخرة في قدرتها على السيطرة والتحكم على علاقات مجتمعاتها. فمشاكل الطبقة الحاكمة لا تتمثل في مواجهتها لعداء قوي من البروليتاريا ولكن أيضا في الصراعات الداخلية بين الرأسماليين أنفسهم كمالكين لرأسماليات خاصة. فتسود الفوضى بينهم, ولذلك فإن العلاقات الاجتماعية للنمط الانتاجي تفرض نفسها فقط من خلال قوانين النظام العمياء.

البرجوازية هي طبقة أصحاب الأملاك الكبيرة الذين يعيشون على فائض القيمة الذي يحققه آخرون. إنها تتركز في مالكوا وسائل الانتاج والموارد المالية الكبيرة. وهي الطبقة الحاكمة في أكثر الدول تقدما منذ مئتا عام. بالإضافة إلى كونها الطبقة المهيمنة على العالم دون منازع خلال القرن العشرين. واليوم, وبشكل أو بآخر, فإنها لا تزال تحكم في كل مكان.

الطبقة البروليتارية هي الطبقة التي تضم كل هؤلاء الذين لا يملكون ممتلكات تذكر ولذلك فإنهم مضطرون لبيع قوة عملهم مقابل أجر ليتمكنوا من الحياة. ومضطرون للدخول في صراع يومي مع البرجوازية من اجل البقاء. ونجدها تتركز في كتلة القوى العاملة في مجالي الصناعة والنقل, كحجر أساس في انتاج فائض القيمة. لقد طور النظام بنفسه الطبقة العمالية الحديثة من خلال ادخال أنماط العمل التعاوني والمنظمات الاجتماعية في الانتاج, والتي تستعد للصراع مع الطبقة الحاكمة على فائض القيمة. وبالتالي فإن النظام الرأسمالي يحمل مقومات انهياره بحفر قبره بنفسه, عن طريق طبقة ترى أن مصلحتها تتحقق بتحقيق تعاون مشترك وليس اسغلال العالم واستنزاف موراده.

البرجوازية الصغيرة هي الطبقة التي تتكون من مالكي الملكيات الخاصة الصغيرة التي تنتج مبدئيا فائض قيمتها وتستغل على أقصى تقدير عدد صغير من العمال. ويمثل الفلاحون الشريحة الأكبر من البرجوازية الصغيرة في عديد من الدول. وحتى هذه الطبقة لم تنجو من استغلالها من قبل البرجوازية الكبيرة التي تستنزف جزءا كبيرا من فائض القمية الذي تنتجه البرجوازية الصغيرة.

الطبقة المتوسطة هي الطبقة التي تقع في منتصف المسافة بين البرجوازية والبروليتاريا, والتي تتكون من المهنيين والعاملين لحسابهم الخاص والمديرين والأكاديميين إلخ .. وقد سمحت الرأسمالية لهذه الطبقة ان تتسع بصورة كبيرة خلال عصور اضمحلالها من اجل رشوة البروليتاريا والسيطرة عليها. وتقف هذه الطبقة بجوار الطبقة البروليتارية في مواجهة التحالف بين الطبقة البرجوازية الصغيرة والبرجوازية الكبيرة.

ب) انهيار الرأسمالية.

وفي اللحظة التي تصل فيها الرأسمالية لأعلى مستوياتها فإنها تقود قوى الانتاج بوحشية إلى نقطة يصبح فيها الاستغلال والمجتمع الطبقي لا معنى له. فالرأسمالية هي أخر مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي الطبقي في التاريخ البشري حتى الآن. وبقيامها حتى الآن نجد ان النظام العالمي نظام رجعي ومعادي للثورة.

وفي اللحظة التي تصل فيها الرأسمالية لذروة وحشية ميولها نحو تركيز وتجميع قوى الانتاج في يديها بالوصول لنقطة الاحتكار يبدأ في الوقت نفسه عصر انهيارها ذاتيا. وكنتيجة لذلك فإننا نجد أن الرأسمالية توقف تطوير جوهر القوى الانتاجية بل وتضع القيود على تطورها. مما ولّد العديد من الأزمات الاقتصادية الدولية القاسية, والتي بدون شك تزداد سوءاً وشدة طالما بقي النظام الرأسمالي. تلك الأزمات من الممكن تأجيلها بعض الوقت إلا أن ذلك التأجيل يؤدي لمضاعفات أكثر حدة حالما اندلعت.

إن الامبريالية هي النظير الدولي للاحتكار. ويهيمن على العالم الآن عدد صغير من القوى الامبريالية التي تستولي بطريقة ممنهجة على فائض القيمة الذي تحققه الدول الضعيفة التابعة لها والتي تخضع لأشكال مستقلة من الرأسمالية.

خلال التطور التاريخي للرأسمالية نجدها قد أنتجت ادواتها السياسية المناسبة لذلك: الدولة القومية. الدولة البرجوازية ليست إلا وسيلة من وسائل الطبقة الحاكمة صممتها على الشكل الذي يمكنها ومن خلال احتكارها لقواتها المسلحة تنظيم الشؤون الداخلية للبرجوازية واستخدامها في الصراع مع البروليتاريا بالإضافة لدورها في الصراعات الدولية مع القوى البرجوازية الأخرى. فالدولة ككيان تخدم تعزيز ووقاية تكوين الرأسمالية وتطورها داخل حدودها.

خلال عصر الاضمحلال الرأسمالي حيث نجد وسائل الانتاج أصبحت الآن دولية وتعيقها الحدود الاقليمية فإن الدولة القومية استنزفت جدواها الاقتصادية. ومع ذلك, تظل الدولة القومية ضرورة سياسية للرأسمالية سواء بكونها أداة لشن الصراعات بين الرأسماليات المتنافسة او بكونها ضرورة من أجل شق صف الطبقة العاملة. إن محاولات لتحقيق سلام دولي بين القوى الرأسمالية محكوم عليها بالفشل. فالتنافس الرأسمالي يجعلها دائما نظاما في حالة حرب مع نفسه.

الرأسمالية لا تستطيع تحقيق نوعا من الوحدة والتماسك المؤقت إلا تحت احتلال عسكري أو هيمنة مسيطرة. ولذلك فإن النظام الرأسمالي يجد نفسه مدفوعا من ناحية تجاه الامبريالية والحرب الامبريالية, ومن ناحية أخرى تجاه التمترس الدفاعي للقوميات البرجوازية التي وقعت ضحية للامبريالية.

إن نمو وتنظيم البروليتاريا يجبر الطبقة الحاكمة على استخدام جزء كبير من فائض القيمة التي سلبته ليس من اجل مراكمة الانتاج ولكن لتحقيق الاستقرار بقمع البروليتاريا بالإضافة لشن الحرب على الرأسماليات المنافسة. فالنظام الرأسمالي دائما ما يجري توسعات هائلة لأجهزة الدولة التي تراقب وتضلل الجماهير ناهيك عن قمعها, بالإضافة لدورها في تنظيم حدة المنافسة داخل الطبقة الحاكمة نفسها.

لقد نما الجيش الاحتياطي من العاطلين عن العمل إلى مستويات لا يمكن وصفها وأصبح ظاهرة عالمية. وتستخدم الامبريالية الآن سلاح التهديد بالبطالة لكي تستطيع خفض الاجور على المستوى الدولي.

تلجأ الرأسمالية خلال عصر اضمحلالها إلى تصعيد النبرة القومية والعسكرة لتحويل وقمع النضالات الطبقية. ويعتبر (الحكم الفاشي, وتعبئة عناصر البرجوازية الصغيرة والبروليتاريا الرثة وارستقراطوا العمال في صورة كيانات راديكالية معادية للرأسمالية وهي ليست إلا مجرد حيلة لمعاداة الطبقة العاملة) يعتبر كل ذلك وسائل تمثل الملاذ الأخير للقوميات الرأسمالية الغير مستقرة. فالفاشية تعزز كل توجهات النظام المتأصلة تجاه العنصرية والقومية والتعصب الوطني والحرب. واشتداد الأزمة الحالية يعني ضمنيا انتصار الفاشية في الدول الرئيسية مالم يحول قيام ثورة اشتراكية دون حدوث ذلك. مما يعني انه لو لم تمنع ثورة اشتراكية حدوث ذلك في الوقت المناسب فمما لا شك فيه أن التوترات الحالية التي تتخلل العلاقات بين القوى الامبريالية سوف تنفجر لحرب عالمية ثالثة.

تحاول الرأسمالية ان تزيد من حدة الشروخ الاجتماعية للحفاظ على انقسام الطبقة العاملة. فهي توسع وتعزز اسلوب قهر المرأة الذي كان مستخدما في مرحلة ما قبل الرأسمالية عن طريق مايسمى بال"عبء المزدوج" الناتج عن دور المراة في الأسرة وكونها أيضا يد عاملة مستغلة. بالإضافة لافتعالها ايديولوجيات رجعية مثل العنصرية والقومية الامبريالية. كما انها استخدمت أعادة احياء اسلحتها البالية مثل تهمة معاداة السامية بغرض تفادي الهجمات على الرأسمالية نفسها. واليوم, تشن الامبريالية حملات نشطة لتعزيز العداء للعرب وحملات قومية متعصبة ضد المسلمين على اختلاف اتجاهاتهم. بالإضافة لذلك كله شنها حربا اكثر ضراوة على المثليين والمثلييات انطلاقا من حاجتها للحفاظ على قدسية الشكل الأسري ككيان اجتماعي قوى يدعم شكلها الطبقي.

العنصرية والتي في الأصل كانت الرأسمالية الناشئة السبب في وجودها من أجل تبرير الرق في نصف الكرة الجنوبي, أصبحت أداة لخلق هيمنة امبريالية على العالم الثالث والدفاع تلك السيطرة. فاستغلالها المضاعف لشرائح من الطبقة العاملة يؤدي لتقويض جميع الاجور. وفي هذه الحقبة أصبحت الهنصرية في جميع أنحاء العالم خط دفاع للرأسمالية ضد انهيارها ولو ادى ذلك لجريمة الابادة الجماعية.

في هذه الحقبة أدت مطالب الرأسمالية لحدوث اكبر هجرة جماعية للجنس البشري عرفها الانسان. مما ادى لازدياد ترابط البروليتاريا. ورغم ذلك فإن الامبريالية التي انضمت للمتعصبين ضد المهاجرين استخدمتها كوسيلة لشق صفوف الطبقة العاملة.

إن عمق الازمة الآن شديد لدرجة منعت الاقتصاد الامريكي القوي من الاستفادة من الكوارث الاقتصادية التي تحيط بقية العالم كما فعلت في الماضي. وسواء بعد عام أو عامين سيحدث كساد ربما مشابه وربما أكثر بكثير من الكساد الكبير الذي حل بالعالم في الثلاثينيات لا يمكننا التنبؤ. ورغم ذلك فإن العالم يتجه لا محالة لتلك الحافة.

الرأسمالية في العالم تلفظ أنفاسها الاخيرة وفي الوقت نفسه تخيم علينا بكوارث أعظم بكثير من تلك التي قهرت بها العالم وضربت بها انحاء كوكبنا. وفي هذه اللحظة رغم تردده يتسارع الهجوم الذي قادته البرجوازية العالمية ضد الطبقة العاملة كنتيجة لهجمات 11 سبتمبر الارهابية التي حدثت باشراف الرأسمالية الأمريكي. وتحت غطاء مكافحة الإرهاب فإن الطبقة الحاكمة الامبريالية بقيادة واشنطن تثير العنصرية القومية من اجل التحضير لحروب امبريالية لضرب الجماهير الثائرة بالخوف والذعر في جميع أنحاء العالم.

ج) الإصلاحية

بيروقراطية الدولة وبيروقراطية الصناعة التي ازدهرت في هذه الحقبة لها نظرائها في المنظمات والاحزاب والنقابات العمالية. فالإمبريالية دعمت شريحة من الطبقة العاملة ورشتها بحصة من النظام: الارستقراطية العمالية. والتي تتضمن العمال الأعلى أجرا والأكثر أمانا وخصوصا في الدول الامبريالية.

تستند الشريحة الارستقراطية على بيروقراطية العمل لكي تتمكن من خدمة الرأسمالية بشق صفوف القوى العاملة. وبذلك تنتمي في جوهرها الطبقي للبرجوازية الصغيرة وليس للبروليتاريا. وتعتمد في بقائها على كلا من بقاء الرأسمالية بالاضافة إلى الاصلاح المستمر في المنظومة من اجل تحقيق مكاسب للعمال كطريقة لترويضها وربطها بالبقاء الرأسمالي.

نظريا, فإن الأرستقراطية العمالية والبيروقراطية تعكس تداخل كلا من الطبقة المتوسطة والبرجوازية الصغيرة مع الطبقة العاملة. وتاريخيا, فإنهم وضعوا نظرية الاشتراكية الديموقراطية بدعوى التنقيح, فكرة انه يمكن أن يتم تحقيق الاشتراكية ليس عن طريق الثورة ولكن عن طريق الضغط العمالي المستمر من اجل تحقيق اصلاحات, والتي في كل الاحوال ستكون نتيجة طبيعية للتطور الرأسمالي والحداثة.

أثناء فترة الإزدهار, فإن الاصلاحيون أيدوا اصلاحات محدوده كان من شأنها أن تعود بالنفع على الطبقة العاملة في اطار الرأسمالية. أما اليوم فهم يقفون مبدئيا من اجل تقليص المكاسب السابقة. وغدا, كخيانة للثورات العمالية, فستقوم بعض قطاعات الاصلاحيين بالحديث مرة أخرى عن الاصلاحات. وفي ضوء الأزمة والاستقطاب الطبقي, فإن دعاة الاصلاحية مضطرين باستمرار لتنظيم انفسهم في تعاون مفتوح مع القوى البرجوازية ومضطرين الآن لوقف ثرثرتهم عن الاصلاحات. وقد قام الاصلاحيون التقليديون بذلك بالفعل بشكل صارخ. أما العناصر الأكثر يسارية وبينما يستمرون في الدعوة للاصلاح, فإنهم مجبرون للسير في نفس الطريق السابق.

اليوم, الأزمة التي تمر بها المنظومة الرأسمالية تنخر في الطبقة المتوسطة والأرستقراطية العمالية. وقد هبطت شرائح من هذه الطبقات إلى المستويات الدنيا من الطبقة العاملة. وسوف تفرز الأزمة بنفسها لأي شكل طبقي يكون ولاء أفراد وشرائح هذه الطبقة.

د) الستالينية.

عبر انتصار الثورة المضادة في الاتحد السوفيتي أصبحت البيروقراطية هي الطبقة الحاكمة لرأسمالية الدولة. وبدافع الحفاظ على الممتلكات المؤممة فقد استخدمت الدولة كغطاء من أجل انتزاع فائض القيمة. وتعاملت كأنها الطبقة ذات الوصاية على الممتلكات التي تم انتزاعها من البرجوازية.

وكان الهدف الاجتماعي للطبقة الستالينية الحاكمة هو توسيع رأسمالها الوطني والدفاع عنه عن طريق الاكتفاء الذاتي النسبي وانشاء نقابات للبروليتاريا: فكان الرأسمالية في بلد واحد هو هدفها التخيلي تحت شعارها النظري"الاشتراكية في بلد واحد". وأدى ذلك الاصرار الرأسمالي في عصر الاضمحلال إلى تحولها لشكل مميز من الرأسمالية المنحطة والتي عملت فيما بعد على دعم النظام.

في الدول الضعيفة فقدت البرجوازية المحلية مصداقيتها ولم تعد تستطيع الدفاع عن قوتها كطبقة, وباتت الطبقة العاملة مهزومة تقريبا, ولذلك فإن محاولاتها لمقاومة الامبريالية أدت للجوئها لرأسمالية الدولة بشكل كبير. وفي الحالات المتطرفة فقد أدى ذلك لبناء الدول بعد الحرب العالمية الثانية على غرار نظام الاتحاد السوفيتي الستاليني. وكان تأميم هذه الممتلكات من قبل القوى الطبقية الموالية للرأسمالية ممكنا فقط عن طريق ذبح وهزيمة البروليتاريا. وكان هذا نموذج سلبي لنظرية الثورة الدائمة.

في العالم المستعمر وشبه المستعمر, وقفت الستالينية دائما لتقييد الثورات التي اندلعت في العالم حتى مستوى المرحلة البرجوازية بعد الحرب العالمية الثانية. وقد عملت جاهدة لمنع العمال من تجاوز أطر التعاون الطبقي وسيادة رأس المال بأي ثمن. وقد لعبت الستالينية دورا مهما في تمهيد الطريق أما الاستعمار الجديد الذي يهيمن على تلك المناطق اليوم, مما جعل تلك المناطق غير قادرة على الخلاص من السوق العالمية الامبريالية.

وتميل الستالينية للتواجد والنمو في المناطق التي كانت فيها الرأسمالية التقليدية أضعف بكثير من أن تستطيع احكام قبضتها واحتواء الجماهير المتفجرة. تميل الستالينية إلى استخدام الارهاب والتنازلات من أجل الحفاظ على الهيمنة الرأسمالية لا سيما في الدول ذات التطور المعقد والغير متجانس والتي تضم خليط من أوضاع اقتصادية واجتماعية بالية بالإضافة لطبقات عاملة خطيرة. ورغم الثورة المضادة اضطرت الستالينية في الاتحاد السوفيتي إلى الحفاظ على بعض مكاسب ثورة اكتوبر من اجل الاستمرار والبقاء: كالتأميم والتوظيف الشامل.. وقد دأبت حكومات ما بعد الحرب العالمية الثانية في كل مكان على اعتماد تدابير واجراءات مشابهة للبقاء في السلطة واحتواء العمال.

وقد تتمكن الطرق الستالينية من تحقيق نجاح مؤقت. ومسحوبة بمكاسب العمال المتبقية, فإن الدولة الستالينية تنتج نموذجا مدمر وغير فعال من الرأسمالية والتي تعجز عن حل الأزمات فتجعلها دائمة. وبدعوى التخطيط, كان الاقتصاد عبارة عن فوضى خربة. وعلى نحو متزايد واجهت الطبقة الحاكمة تمرد نامي للطبقة العاملة كلما حاولت تعميق الاستغلال وازالة المكاسب السابقة. مما أدى حتماً إلى انتهاج الستالينينة كثر وأكثر للطرق البرجوازية مما ادى لانهيارها في النهاية.

الدولة الستالينية هي وامتداداتها التي لازالت موجوده ليست إلا عقبات مضادة للثورة الاشتراكية. فقد كان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية امبرياليا في حد ذاته, يُخضع الدول التي تقع تحت سيطرته بالاضافة للدول التابعة له والتي كان قد غزاها. وعلى الرغم من أنه كان يقدم نفسه كمعادي للامبريالية بالاضافة لتنافسه الحقيقي مع الغرب إلا انه كان داعما للاستعمار العالمي ولعب دورا حاسما سنوات ما بعد الحرب لابقاء الجماهير مقموعة في المناطق التي ضعفت فيها السيطرة الرأسمالية. وعلى الرغم من ان الرأسمالية الغربية شنت حربا بارده ضد الاتحاد السوفيتي إلا أن الستالينية كانت تسعى للتعاون مع دوائر السلام والتنمية التي كانت تعثر عليها.

لقد قوضت الأزمة الرسمالية العالمية من الاقتصاد الستاليني المتداعي. واطاحت انتفاضات الطبقة العاملة بالأنظمة الستالينية. ولكن تلك الثورات تم الاستيلاء عليها وتحويل مساراتها عن طريق البيروقراطيين وخاصة في ظل غياب الأحزاب الثورية. وانهارت الستالينية, ولكن ليس قبل أن تكمل مهمتها في الحفاظ على الرأسمالية الامبريالية طوال نصف قرن ويزيد.

هـ) الشيوعية ودولة العمال.

من الممكن القول بأن تطوير كامل لقوى الانتاج وتحقيق وفرة للجميع بالاضافة إلى ازدهار الانسانية والثقافة البشرية هي كلها احتياجات لاقامة الشيوعية والمجتمع اللاطبقي. ولا يمكن تحقيق الشيوعية إلا فقط عن طريق تحول ثوري للمجتمع بقيادة البروليتاريا.

ويتم هذا التحول من خلال المجتمعات الانتقالية تحت راية الدولة العمالية (ديكتاتورية البروليتاريا). وتتلخص مهام دولة العمال في التغلب على الانقسامات الطبقية والضغوط والعقبات الرأسمالية من أجل تطوير قوى الانتاج والطبقة العاملة نفسها, بالإضافة لتطوير اقتصاد مركزي ومخطط يستند حقا على الوعي الجمعي للجماهير. ويهدف التخطيط في دولة العمال إلى تحقيق المزيد من الانتاج من أجل اشباع الاحتياج البشري وليس من اجل الربح. وفي دولة العمال ستنتهي الفكرة القبيحة عن التكنولوجيا الحديثة والميكنة كسبب في البطالة وخفض الاجور, وتصبح وسيلة لتحقيق وفرة وتقليل عدد ساعات العمل للجميع. وكلما نما مستوى التراكم كلما فقدت قوانين الندرة العمياء التي قادت المجتمع الطبقي الرأسمالي قبضتها وسيطرتها ليس فقط على توزيع موارد الانتاج بل وعلى المجتمع الناشئ ذاته. وتبدأ دولة العمال في الضمور كلما تلاشت البروليتاريا كطبقة مستقلة.

يجب أن تستند دولة العمال على السياده الحقيقية للطبقة العاملة نفسها, من خلال ممارستها عن طريق مؤسسات جماهيرية كالسوفيتات أو المجالس العمالية. ديموقراطية البروليتاريا تتطلب قيادة دكتاتورية من البروليتاريا لمختلف طبقات المجتمع الأخرى. تصبح مجالس العمال وتظل ثورية مادامت تٌقاد ديموقراطيا من قِبل العمال الأكثر تقدمية وحزبهم. وكلما تطور وعي العمال كلما أصبح التحول من الاشتراكية للشيوعية محتوما.

يمكن فقط لدولة العمال أن تنجح في الحفاظ على نفسها وتحقيق وفرة إذا كانت جزءا من تحالف دولي يضم دولا مثلها. وطالما ظل شبح الرأسمالية يخيم على العالم فإنه يجب على الدولة العمالية ان تكون مركزا للصراع الطبقي الدولي ضد وباء النظام الرأسمالي. وشعار "الرأسمالية في بلد واحد" هو هدف مستحيل بالاضافة لكونه استراتيجية تؤدي للانهيار الذاتي.

و) الثورة الاشتراكية.

يمكن اقامة دولة العمال فقط عن طريق ثورة اشتراكية تقوم باسقاط الدولة الرأسمالية. نحن نرفض النظرية التي تروج لدولة عمالية مشوهة لا يتم اقامتها عن طريق الثورة العمالية. لا يمكن أبدا ان يكون هناك تحول سلمي من الرأسمالية للاشتراكية: فالدولة الرأسمالية لن تنهار إلا تحت الضربات المسلحة لانتفاضة عمالية.

الثورة الاشتراكية يجب ان يقودها حزب الطليعة البروليتارية. ويمكن للسوفيتات والمجالس العمالية وبقية أشكال الجبهة العمالية الموحدة أن تصبح أدوات في يد العمال لانتزاع سلطة الدولة تحت قيادة حزب طليعي. إن الأفعال التلقائية التي تصدر من الطبقة العاملة (والتي تكون أفعال جماهيرية للبروليتاريا بدون قيادة منظمة أو سيطرة من قوى سياسية معينة) لها دلالة ايجابية كبيرة. وفي الحقيقة فإن نمو الوعي المتطوريحدث كنتيجة لهذه النضالات الأولية. ومع ذلك, فطالما ظلت هذه النضالات يسيطر عليها وعي غير ثوري (بمعنى ألا تكون تحت قيادة طليعة واعية منظمة من الطبقة العاملة) فإنها لن تستطيع تحقيق الثورة البروليتارية.

لا يوجد بلد تكون فيها حقبة الديموقراطية البرجوازية (أو اي صورة اخرى من الرأسمالية أو الاندماج الطبقي أو اللاطبقية) ضرورية. إن الطبقة العاملة يجب أن تسعى لقيادة الطبقات الأخرى (والعناصر الطبقية المختلفة, كالفلاحين والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة) في التحالف الطبقي للثورة الاشتراكية العالمية.

بالنظر إلى أنه في هذه الحقبة نمت البروليتاريا لتصبح قوة مستقلة وفاعلة, نجد ان البرجوازية تضطر إلى التحالف مع البقايا الرجعية تماما لطبقات ماقبل الرأسمالية. الامبريالية في صميمها يجب أن تلجأ للوسائل الرجعية المعادية للديموقراطية البرجوازية لكي تتمكن من حماية سيطرتها. اما في أوقات الرخاء النسبي تفضل الامبريالية تغطية عساكرها وقوتها المسلحة بعباءة الديموقراطية. ومع ذلك, ففي الأزمات الحالية, فإن أول الأشياء أصدقها. وعلى الرغم من ذلك, ففي هذه الحقبة وبغض النظر عن حدة الازمة فإن المهام الديموقراطية المتبقية للثورة البرجوازية يمكن فقط أن تحققها الطبقة العاملة من خلال الثورة الاشتراكية, وبذلك, فإن الثورة الديموقراطية تعد ثمرة للثورة الاشتراكية وليس حتمية لا مفر منها. وهذه هي نظرية الثورة الدائمة.

وبما ان الرأسمالية هي نظام دولي يعتمد على زرع الصراعات بين أشقاء القوميات المتشابهة من اجل البقاء, فإنه يجب على البروليتاريا أن تكون أممية. وفي حالة اصبحت دولة العمال قادرة على التطور إلى الاشتراكية والشيوعية فإن الثورة الاشتراكية في اي بلد وحيد يجب أن تنتشر وتتمدد وخاصة في حالة بروليتاريا الكيانات الاستعمارية والمهيمنة والمتقدمة اقتصاديا

ز) الحزب الثوري

حزب الطليعة الثورية يمثل الشريحة صاحبة الوعي الطبقي الأكثر تطورا في الطبقة العاملة. وحيث أن الطبقة العاملة يجب أن تكون مستقلة عن جميع الطبقات الأخرى, فإننا نجد لينين وتروتسكي قد أصابوا حينما شددوا على أن الحزب الطليعي هو حزب الطبقة الواحدة فقط ويتركز عمله ونضاله داخل الطبقة العاملة. ويجب على الحزب الطليعي في كل دولة ان يكون مساهما في إعادة الانشاء الحقيقي للأممية الرابعة, أو بمعنى آخر الحزب العالمي للثورة الاشتراكية.

تعتبر الأممية والأحزاب المنتمية لها منظمات ديموقراطية للنضال المركزي: فهي تجسد صرامة وانضباط الوحدات في العمل بالإصافة لتجسيدها معنى الديموقراطية الحقيقية داخليا. وفي داخل الأحزاب والأممية فإن الحق الأساسي للأغلبية هو أن تنفذ سياسة الأغلبية على أنها سياسة الحزب. والحقوق الأساسية لمجموعات وفصائل الاقلية هي أنه يمكن سماع وجهات نظرها وأخذها بالاعتبار داخل الحزب بالاضافة لحصولها على تمثيل مناسب في الهيئات الحزبية القيادية.

إن المهمة الاساسية للشيوعيين هي بناء حزب الطليعة. وفهم وادراك التمايز بين شرائح الطبقة من أجل استقطاب الطليعة الناشئة. ويدرك اللينييون أنه حتى الأحزاب الجماهيرية الثورية لا يمكنها القفز فوق شريحة متطورة بغرض قيادة الجماهير العريضة من العمال بدون عواقب وخيمة.

أممية العمال دائما ما تكون ضرورية وبناءها هو المهمة الرئيسية لجميع الشيوعيين طوال الوقت. فالأممية ليست هي النتيجة الطارئة من عملية بناء الأحزاب الشيوعية في كل دولة, بوضع استراتيجية تحالف قومي مقنعة. فبناء الأممية يجب أن يتوازى مع بناء الشق الوطني.

وطوال الوقت يعمل الشيوعيين للحفاظ على طبيعة الطبقة العاملة من حيث برامجها وتركيبها في الحزب الأممي.

ح) الأممية الرابعة والمنظمة الشيوعيية للأممية الرابعة.

تنتمي الأممية للفكر الماركسي اللينيني والتروتسكي. نحن نقتفي أثر تراثنا بداية من البيان الشيوعي والأممية الأولى التي أنشأها ماركس وانجلز بالإضافة للأممية الثانية في حقبة ما بعد 1900 وأجنحتها الثورية بقيادة لينيين ولوكسبرج وأيضا الثورة الروسية والأممية الثالثة بقيادة لينين وترتسكي, بالإضافة لكلا من اليسار المعارض والجناح الشيوعي الأممي والأممية الرابعة وأيضا الكفاح الذي قاده تروتسكي ضد نفوذ الطبقة المتوسطة في الأممية الرابعة.

اليوم يحمل راية الثورة الاشتراكية مجموعات مدعية لا تعتبر أحزاب. وحاليا المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة تنتزع تلك الراية, وأثناء اعادة انشاء الأممية الرابعة تعمل المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة بروح المركزية الديموقراطية ولا يمنعها من العمل بالديموقراطية المركزية على الوجه الأكمل إلا محدودية الموارد.

بدأ سعينا لإعادة احياء النظرية والتطبيق الماركسي عندما بدأ نضالنا في الأممية الاشتراكية بالولايات المتحدة عامي 1972- 1973 والتي أدت لتأسيس التحالف الاشتراكي الثوري عام 1973 وتحالف الأحزاب الثورة عام 1976. وقد طورنا تنظيرتنا الخاصة استنادا على التوصيات الرئيسية للمؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الثالثة ووثائق ونضالات المعارضة اليسارية الشيوعية والأممية الرابعة, بالإضافة لحصاد المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة نفسها مجسدة في وثائق التوجه السياسي للحزب اليساري الثوري بالولايات المتحدة وكتابنا حياة وموت الستالينية ومجلة الثورة البروليتارية وغيرها من الوثائق والمنشورات التي كتبها الرفاق في استراليا وألمانيا.

التطبيق هو المحك الحقيقي لأي نظرية. فالانتصار النهائي للثورة الاشتراكية والتحول الناجح نحو الشيوعية هو الدليل الوحيد الكامل على أصالة الماركسية. ويعتبر تحقق نبوءة النظرية في وقائع الأحداث العالمية دليل فوري لاختبار صحتها. وفي هذا الصدد اجتاز الاتجاه السياسي المتجسد في المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة بنجاح كل المحكات والاختبارات العملية لدرجة لم يصل لها اي اتجاه سياسي اخر على وجه الأرض. ففي أواخر عام 1970, وبينما كانت مختلف المجموعات المنتمية لليسار التروتسكي الجيد منها والسئ قد أعتبروا جميعا الاتحاد السوفيتي دفعة للمستقبل وبديلا قويا في مواجهة الرأسمالية الغربية, كنا نشير نحن إلى مدى ضعفه وتفككه. وبينما قال انصار ماكس شاتمان بنظرية البيروقراطية الجمعية والتي اعتبرت النضال الستاليني مع الاشتراكيين فعالا ضد الرأسمالية المحتضرة. في الوقت الذي اعتبرت فيه نظرية كليفيت "رأسمالية الدول" على أنها حلت محل الامبريالية كمرحلة أخيرة ونهائية للرأسمالية. أما أنصار بابلو فقد اعتبروا الستالينية تطورا لمرحلة ما بعد الرأسمالية واقتصاديا تمثل إلى حد كبير وجها متطورا من الرأسمالية. أما نحن فلم نكتفي بالاشارة لانهيار الستالينية كاتجاه رأسمالي مهلهل وفوضوي ومدمر, بل أضفنا أنها ستكون مضطرة للتحول في اتجاه شكل رأسمالية السوق التقليدي من أجل تدارك معدل الانخفاض السريع في المكاسب.

خلال ذروة الحرب الباردة وبينما كان المندسون وخونة الصف الخامس يتنبأون بأن الحرب العالمية الثالثة ستقوم بين الاتحاد السوفيتي والغرب, أشرنا نحن إلى أنه رغم قوة الاتحاد السوفيتي العسكرية إلا أنه كان يعاني من الكثير من الأزمات الاقتصادية التي أقصته بشدة عن منافسة الامبريالية الغربية في التكتل العالمي. وعلى الرغم من المنافسة الصريحة بين التكتلين إلا ان الستالينية لعبت بالأساس دورا في تقوية الدعم الموجه لتمدد الرأسمالية الاحتكارية العالمية. وكنا الوحيدين الذين توقعوا احتمالية انتهاء الحرب الباردة بدون حرب عالمية, وانه في حالة لم تقم ثورة اشتراكية بمنع اشتعالها, فستقوم حرب عالمية ثالثة بين اليابان وألمانيا والولايات المتحدة كلاعبين أساسيين. وفي هذه الحالة ستكون روسيا والصين بمثابة حلفاء صغار أو ميادين للنزاع. وبينما لم تحدد المحكات الواقعية كنه المقاتلين الحقيققين في الحرب المستقبلية, فإن جميع المراقبين الجادين يشيرون لتصاعد التوترات بين القوى الامبريالية الكبيرة. وبالنسبة لنا فإننا لا نزال واثقين من توقعاتنا التي تفترض أن الولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى بلا منازع (من باقي الدول الامبريالية) سوف تدخل حتما في منافسة مع القوتين الألمانية واليابانية في سباق اعادة تقسيم الانتاج العالمي لفائض القيمة. وكان لينين قد شدد دوما على أنه لا يوجد كفاح ثوري بدون نظرية ثورية. ولكننا نجد اليوم أن أي محاولة لعمل تنظيري جاد وحقيقي يتم احباطها واحلالها بالتبريرات والأحكام التي تنطلق بأثر رجعي وخصوصا عند اليسار المتطرف. فالقدرة على تحليل الواقع والخروج بتوقعات مستقبلية لم تعد الهدف الحقيقي للاتجاهات التي تتمسك بصبغتها التنظيرية ككتاب مقدس من أجل البقاء على قيد الحياة. فالكسالى والمغيبيين السياسيين لن يبذلوا أي جهد من اجل اعادة انشاء أممية العمال البلشفية اللينينية.

ثالثا) الاستراتيجية الماركسية اليوم

أ) أحزاب الطبقة العاملة

إننا نؤيد قيادة حزب طليعي لكل النضالات العمالية. ونقاوم كل محاولات الرأسمالية للتدخل في منظمات العمال. فالديموقراطية وغيرها من مكاسب العمال لن تتحقق إلا بنضال حقيقي ضد الطبقة الحاكمة ونظام الدولة وليس من خلال التعاون معهم.

تقع المنظمات الجماهيرية للعمال اليوم تحت قيادة الاصلاحيين البيروقراطيين الذين حتما يتخذون جانب المصالح الرأسمالية خلال الصراع الطبقي. وطوال الوقت وخلال جميع المعارك النضالية يحذر ويفضح الشيوعيون دور البيروقراطية العمالية في تحجيم العمال تنظيميا وفكريا.

حصلت الاحزاب الشيوعية والديموقراطية الاشتراكية واحزاب العمل على العديد من المكاسب من الطبقة العاملة التي كان لها الفضل في وجودها. وتعتبر اليوم وبشكل عام احزابا للبرجوازية العمالية, في ما عدا الدول الستالينية والدول التي كانت ستالينية. والتناقض المميز لهذه الاحزاب أنها لا تزال تعكس انجازات العمال في الماضي رغم ان تلك الانجازات نفسها هي التي تستثمرها البرجوازية كسلاح ضد قاعدة الطبقة العاملة. وبعد أن صرحت الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية الاصلاحية بالتزامها الفطري نحو البرجوازية خلال ممارساتها ومواقفها أثناء الحرب العالمية الأولى فإن اللينينيون اعتبروها قوى معادية للثورة. وفي أواخر عام 1930 خانت الستالينية الثورة الأسبانية عن طريق التعاونية الطبقية مما جعل تروتسكي يشير إلى ان الاحزاب الشيوعية قد أصبحت قوى معادية للثورة حتى النخاع.

من الممكن أم نقوم بتكتيكات مؤقتة كالمشاركة والدعم النقدي الانتخابي لبعض الأحزاب الشيوعية وأحزاب الديموقراطية الاجتماعية ولأحزاب العمل نظرا لاستقلالية قاعدتهم البروليتارية المنظمة. ولا بد من استخدام هذه التكتيكات المؤقتة عندما يعتبر العمال هذه الأحزاب كخيار حيوي ومفيد في مواجهة الاحزاب البرجوزاية العلنية وأيضا عندما تكون هذه المشاركة هي أفضل وسيلة لفضح خيانة هذه الاحزاب نفسها للطبقة العاملة. وفي الوقت ذاته فإننا نعارض بشدة وجهة النظر القائلة بأن هذه الاحزاب مؤسسات عمالية يجب تقديم الدعم الدائم لها. فالدعم هنا فقط خطوة تكتيكية وليست دائمة.

وبالمثل فإننا نؤكد على حقيقة أن التحالف الطبقي في مواجة الرأسمالية هو رغبة واحتياج عمالي أثناء نضالاتهم ضدها. ونحن نناضل من أجل جبهة موحدة للطبقة العاملة, ونحذر علنا رفاقنا العمال من أن القيادات الاصلاحية سوف تسعى في النهاية لخيانة طبقتنا.

2) نقابات العمال

بعكس أحزاب العمال البرجوازية, فالنقابات بفضل طبيعتها وحتى لو كانت تحت القيادة المضللة للديموقراطيين الاجتماعيين أو غيرهم من الاصلاحيين لا تكزن أبدا من القوى المعادية للثورة, والقضاء على تلك النقابات لا يصب في صالح الشيوعيين.فهي تمثل المكاسب التاريخية للطبقة العاملة وعضويتها تقتصر على تلك الطبقة. ورغم أنها ليست مؤسسات ثورية إلا اننا من الممكن ان نناضل بداخلها من اجل قيادة ثورية بالإضافة لامكانية النضال من خلالها في معارك تحدي ضرورية ضد سلطة الدولة. وغالبا ما تكون الاتحادات النقابية ذات تأثير حاسم على الصناعات الاستراتيجية حيث تملك البروليتاريا قوة كامنة هائلة. وقد أثبت التاريخ مرارا وتكرارا ضرورة التصدي لبيروقراطية العمل وفضحها بين الاتحادات العمالية كما أثبت التاريخ أيضا أن محاولات الالتفاف على هذه المواجهات لتجنبها او تجاوزها تأتي دائما بتائج عكسية تضر بالطليعة الثورية.

إن الفرق بين أحزاب الديمقوراطية الاجتماعية وأحزاب العمل من ناحية, والنقابات العمالية من ناحية أخرى هي ان الاولى هي فصيل من حزب سياسي, اما الأخيرة فهي شكل خاص من التحالف في جبهة تمثل الطبقة العاملة. ويوجد الكثير من التكتيكات يمكنها ان تساعد في بناء حزب ثوري مثل (الاتحاد في جبهة والدعم النقدي والمشاركة بالعضوية) وذلك عن طريق فصل قاعدة الطبقة العاملة بعيدا عن الأحزاب الاصلاحية. والمطلوب في حالة الاتحادات النقابية ليس فصل العمال عنها ولكن المطلوب هو احلال قيادتها البيروقراطية بقيادة أخرى تمثل الحزب الثوري.

وحتى مع تضائل قوتنا اليوم فإننا نقوم باعمال الدعاية بل وبعض الأنشطة التحريضية داخل النقابات. وفكرة أن الخبرة المكتسبة بهذه الانشطة ليست ذات قيمة حقيقية هي فكرة متعالية وغير واقعية. وأيضا فكرة أن الطليعة الثورية غير مضطرة لبناء الثقة عبر التفاني في العمل النضالي على مر السنين هي فكرة واهمة وغير واقعية.

ج) الوسطية

غزت أفكار الطبقة الحاكمة الطبقة العاملة ليس فقط من خلال الاصلاحيين والستالينيين ولكن أيضا من خلال ميول الطبقة المتوسطة التي تدعي تمثيل الثورة البروليتارية (وخصوصا الوسطيين واليسار الاصلاحي). من الضروري فضح ومحاربة هؤلاء اليساريين. فمن الممكن لتقلباتهم أن تدمر وعي الطبقة العاملة. بل والأسوأ من ذلك أن كثير من هذه المجموعات الوسطية قد دللت على سعيها لاستخدام الطبقة العاملة كمعول هدم غير واعي يصب في مصلحة الشعبويين وأمثالهم من الرأسماليين, وكل ذلك باسم الاشتراكية.

الحزب الثوري يقاوم النظريات الماركسية الزائفة التي تعطي دورا محوريا للطبقة المتوسطة والتي غاليا ما يكون أعضاءها معاديين لكلا من البرجوازية الفوضوية والطبقة العاملة الخارجة عن السيطرة. فهم يدعمون "اشتراكية" توفر للمثقفين والمديرين السلطة والصلاحية على العمال من خلال اقتصاد منظم ومخطط تديره النخبة ورجال العلم. ومن هنا فإن نظريات "ماركسية الطبقة المتوسطة" تبرر أو تعيد ترتيب أو ببساطة تقتفي أثر الستالينية والاشتراكية الديموقراطية.

ونحن أيضا ننظم صفوفنا لمواجهة أصحاب هذه الميول الوسطية والتي تزرع نفسها بين طلاب الطبقة المتوسطة المهتمين بالعمل السياسي تحت ادعاءهم الكاذب بأنهم في الغد سوف يميلون تجاه الطبقة العاملة. وهكذا, ومن خلال الممارسة العملية فإنهم يثبتون أن الطبقة في اعتقادهم ليست إلا وسيلة لنشر الوعي الاشتراكي. ومن ناحية أخرى فإن العمل بين طلاب الطبقة العاملة مهمة حيوية من اجل بناء كوادربروليتارية.

د) النضال الديموقراطي

إننا نقف بجانب كل المعارك التي تواجه الظلم والاستغلال والتي تصب فقط في المصلحة العليا لاممية الطبقة العاملة. نحن ندعو للثورة الدائمة: فالمهام التي لم تكملها البرجوازية الديموقراطية لا يمكن تحقيقها من خلال ثورة اشتراكية. ونؤيد قيادة الطبقة العاملة لجميع النضالات والمعارك ضد الطبقة الحاكمة.

في المعركة ضد الامبريالية والاضطهاد والتمييز الجنسي والعنصري والتعصب الوطني والأصولية الدينية والفاشية فإننا نعارض التعويل على القوات الشعبوية البرجوزاية. فالمنظمات الجماهيرية التي ترتكب جريمة القمع يقودها اصلاحيو الطبقة المتوسطة. ونحن نعارض تورط البروليتاريا في قيادة كل هذه القوى بغض النظر عن مدى نضالية خطابهم.

نحن نساند النضال من اجل تحرير المرأة مع التشديد دائما على الظروف والاحتياجات التي تخص الطبقة العاملة النسائية. ونحن نساند حق المراة في العمل خارج نطاق الأسرة كعاملة بالاجر مع كفالة المساواة الكاملة لهم. كما نناضل من اجل حقوق ديموقراطية كاملة للمثليين والمثليات.

إننا ندعم كل النضالات من اجل المساواة والعدل للأقليات العرقية والوطنية كما نناضل من أجل مشاركة هذه المجموعات في قيادة الطبقة العاملة.

إننا ندافع عن حقوق المهاجرين ولاجئو المخيمات من أجل انهاء الحواجز العنصرية والتميزية ضد الذين يفرون من الاضهاد السياسي أو الأزمات الاقتصادية.

وفي البلاد التي يطلب فيها الفلاحون تقسيم الأرض بدلا من التعاونيات الزراعية فإن الشيوعيين يدعمون بوجه عام طلبهم من اجل توضيح (عن طريق مثال تطبيقي وليس باستخدام القوة) مدى الحاجة إلى زراعة اشتراكية.

الشيوعيون الحقيقيون ماديون وملحدون. نحن نرفض كل أشكال الهرمية والطبقية والكهنوت الديني والتي تستخدم فكرة وجود عالم خارق أخروى من اجل حماية المجتمع الطبقي عموما والرأسمالية المنحطة خصوصا. إنها تستفيد من دفع الرأسمالية للجماهير في البؤس أعمق فأعمق باحثين عن العزاء في الدين. إن ما يسمى بلاهوت التحرير وخرافاتها المستمرة يقدم حلا للفاشية الدينية وخرافاتها. الأصولية التي تدعي معاداة الامبريالية تشكل عقبة في مواجهة النضال اللازم ضد الامبريالية, العدو الاكبر في العالم.

ومع ذلك ولأن الاضطهاد الديني في بعض الحالات وقع عليه اضطهاد مشابه للاضطهاد العنصري او الجنسي, فإننا ندافع عن حق الجماهير في ممارسة شعائرهم الدينية حيث أن الاحتياج للدين سوف يضمُر كنتيجة للوعي المكتسب خلال المعارك النضالية. ويجب ان نقف بقوة في وجه الصعود الحالي للرجعية المتعصبة ضد الاسلام وضد اليهود.

هـ)الامبريالية والحرب

باعتبارنا لينييون وأمميون فإننا دائما وفي كل مكان ندعم حق الأمم المضطهدة في مواجة مضطهديهم. فنحن ندافع عن حق تقرير المصير للشعوب المضطهدة. وإننا نقدم الدعم التقني والعسكري للشعوب المضطهدة والقوى الوطنية في معركتهم المسلحة مع الامبريالية. ولكن هذا لا يعني أننا ندعم القادة الوطنيين أو الأفكار الوطنية المتعصبة والتي هي بطبيعتها أفكار برجوازية.

إننا ندعم الشعوب التي تميل للانفصال وبالفعل دعمنا حق انفصال عدد من الحالات. ورغم ذلك فإننا نقف ضد اختيار الجماهير للاستقلال الوطني كلما كان من الممكن تجنب المسار الانفصالي. ويحكم موقفنا تجاه القضية الوطنية مدى احتياجنا لكسب جماهير العمال المضطهدين وقبل كل شئ فإننا ملتزمون بما يصب في صالح المصلحة العليا للبروليتاريا العالمية.

إننا نعارض جميع الاطراف في الحروب التي تقع بين الكيانات الامبريالية. ففي اي دولة امبريالية سياستنا هي الانهزامية الثورية. إننا نرفض المسالمة وسياسة اللاعنف بل وننظم الحملات للتكتيكات السياسية العسكرية للبروليتاريا التي وضعها تروتسكي: تسليح وتدريب العمال بقيادة منظماتهم الطبقية الخاصة. إننا لا نتحالف أبدا مع القوى الامبريالية القومية تحت أي ظرف وبغض النظر عن شكل القناع الذي سترتديه لتضليل الجماهير بما فيها الحروب والعقوبات الاقتصادية كوسيلة لوضع اطار للاضطهاد في دول اخرى.

إننا نقف ضد تشكيل وتقوية ودعم الكتل الامبريالية ولا نحابي قوميات الدول الامبريالية الفردية. اليوم الولايات المتحدة هي القوة العظمى المهيمنة والمعقل الرئيسي للامبريالية العالمية. وحيث انها تتنهج سعيها الفطري لزيادة حصتها من فائض القيمة في اقتصاد عالمي متهاوي فإن مرض حرب الجميع ضد الجميع المستوطن سوف يؤدي حتما لأول حرب تجارية ومن ثم احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة بين القوى الامبريالية والتي لو لم يتم منعها عن طريق الثورة الاشتراكية من الممكن ان تؤدي لإبادة الملايين والملايين من البشر. إن سعي الامبراطورية الأمريكية الحثيث للعب دور الشرطي والمنظم المسيطر على العالم لن يؤدي إلا لتعجيل نشوب حرب عالمية مخضبة بالدماء.

و) الاستراتيجية والتكتيكات

يستخدم الحزب الثوري كل الأساليب والتكتيكات التي تتفق مع اهدافنا التي تتمثل في تعزيز الوعي البروليتاري والثورة الاشتراكية. ويجب على طليعة الطبقة العاملة التمييز بين من هم حلفاءها وأعدائها. ونحن نطلق الوصف الحقيقي بالأسم على كلا من الببرجوازيين القوميين والاصلاحيون المعادون للثورة والوسطيين المتذبذبين, وخصوصا إذا اضطررنا للتحالف مؤقتا مع هذه العناصر في نشاط جماعي معين.

نرفض تماما المشاركة طويلة المدى مع أحزاب الاشتراكيين الديموقراطيين وأحزاب العمل والستالينيين, كما نرفض التحالف الجبهوي طويل المدى. فكلا من هذين التكتيكين (والتي تتحول لاستراتيجية لو طال أمدها) تصبح مستقبلا عقبة في طريق تكوين الحزب الطليعي.

نرفض أن تكون العملية الانتخابية استراتيجية الثورة الاشتراكية حيث انها حتما تكون ذات نتائج اصلاحية. ومع ذلك, فالحزب يجب أن يخترق الانتخابات البرجوازية بالدعاية والمرشحين وتكتيكات التدخل الحاسم من أجل اغتنامها كفرصة للترويج بضرورة الثورة الاشتراكية. ويرفض اللينينيون عموما مقاطعة الانتخابات إلى أن يتوفر لديهم بديل ثوري حقيقي كوسيلة للمارسة وفرض ارادتهم.

نرفض الجبهات الشعبية بين الطبقة العاملة والأحزاب البرجوازية. فالطبقة العاملة لا يمكنها تقاسم السلطة السياسية حتى مع بقايا البرجوازية, والتحالفات الحكومية مع مثل هذه العناصر يعني الانضواء تحت الراية السياسية للبرجوازية. لا يفضل ان يشغل أعضاء الحزب مناصب في الحكومات البرجوازية بما في ذلك حكومات دول العالم الثالث والدول الستالينية ودول ما بعد الستالينية وأيضا في حكومات القوى الامبريالية. ونحن نرفض كل ما يطلق عليه بالجبهات المتحدة المعادية للامبريالية بوصفها نسخة او اصدار من الجبهة الشعبية فهي تناقض تماما مفهوم الثورة الدائمة.

إننا نرفض حرب العصابات كاستراتيجية للثورة الاشتراكية فهي تتعارض مع مفهوم الصراع الطبقي كما تؤخر نمو الوعي الطبقي لدى البروليتاريا. ومع ذلك نرى بإمكانية استخدام الحزب الطليعي لتكتيكات حرب العصابات كعامل مساعد أثناء الصراع الطبقي في حالات خاصة ومحددة.

المشاركة والدعم الحاسم والجبهات المتحدة والدعم التقني العسكري هي الأسلحة الموجودة بترسانتنا. وباستخدام هذه التكتيكات والأساليب الاجرائية يستطيع الثوار الحفاظ على استقلالنا السياسي والعمل على حقنا في نشر وجهة نظرنا ومواقفنا بالاضافة للنضال من أجل الحزب الثوري.

إن وحدة طبقتنا اثناء العمل والنضال شئ ذو اهمية كبرى نظرا لاعتماد الامبريالية على استراتيجية التفتيت والانقسامات ضد البروليتاريا. فالعمل يسبق الوعي. والعمل الجماهيري هو مفتاح تنفيذ مطالبنا الانتقالية التي سوف تساعد على نمو وتطوير وحدة الطبقة العاملة خلال معاركها النضالية. ونحن نؤكد في عالم اليوم على الدعوة لاتخاذ اجراءات ووسائل نضالية معينة مثل الإضراب العام والذي أثبت التاريخ مدى حيويته كتكتيك ووسيلة نضالية في حال ما كانت القيادة الطبقية ضعيفة. ورغم ان الإضراب العام لا يعتبر حلا سحريا ولا حتى انتفاضة ثورية في حد ذاته إلا أنه يثير تساؤلات عن أي الطبقات التي ينبغي أن تحكم كما يثير اسئلة وعلامات استفهام عن سلطة الدولة. وخلال النضال من اجل الاضراب العام يجب ان نشدد على طابعه السياسي في مواجهة البيروقراطية والتي إذا اجبرت على قيادة مثل هذه الاضرابات فإنها تحاول الحد من تأثيره وفعاليته وتحجيمه في الجبهة الصناعية فقط بدلا من الجبهة السياسية. كما انه وأثناء الدعوة لمثل هذه الاجراءات الجماعية فإننا نحذر دائما طبقتنا من محاولات القيادات الخائنة لتحويلهم بعيدا عن التحرك النضالي إلى تعليق التحرك الجماعي.

ز) البرنامج الانتقالي

على الرغم من أن المحرك الأساسي للبروليتاريا في نضالها هو الوقوف في وجه البروليتاريا إلا ان العمال يواجهون أعداءهم الطبقيين قبل أن يمتلكوا وعي طبقي كامل. وكلما ازداد وعيهم اتضحت مصالحهم الخاصة امامهم مما يجعلهم متعجلين في المطالبة الفورية بأن تكمل الدولة البرجوازية مهامها بدلا من الانتظار من اجل الاشتراكية. إننا لا يمكننا نشر مبدأ "ثورة اشتراكية أو الطوفان" وأيضا لا يمكننا حث العمال على تأجيل تحركاتهم حتى تحدث الانتفاضة. ولذلك ينضم الحزب الثوري إلى العمال المفتقدين للوعي الطبقي من اجل المصلحة المباشرة للبروليتاريا ويسعى لاظهار أنه مهما كانت الانتصارات جزئية ومؤقتة تحت حكم الرأسمالية في هذه الحقبة فإن الحل الحقيقي الوحيد لاحتياجات الجماهير هو الثورة الاشتراكية.

تم تصميم برنامج تروتسكي الانتقالي كجسر يعبر نحو تعزيز وعي الجماهير المناضلة في أوقات النضال الجماهيري. ويتكون من مطالب مصاغة جبريا ومرتبة منطقيا والتي هي جزء من حل دولة العمال المستقبلية والتي تلخص الاحتياجات الأساسية للعمال والجماهير المستغلة والمضطهدة. وتلك المطالب من النوع الذي يمكن النضال من اجل تحقيقه تحت الحكم الرأسمالي ولكن لا يمكن الوصول لثمارها إلا بتحقيق دكتاتورية البروليتاريا. وبالتالي فإننا نناضل جنبا إلى جنب مع العمال المناضلين وفي الوقت ذاته نحاول ان نثبت لهم بالتجربة العملية أن تلك المطالب التي يطالبون بها لا يمكن أن تتحقق بالفعل إلا في دولة العمال وليس في الدولة البرجوازية. إن النضال من أجل مطالب انتقالية يمكن الطليعة من البرهنة على مقاومتهم المستمر للبرجوزاية بالاضافة إلى التدليل على خيانات الاصلاحيين فضلا عن إثبات قوة الطبقة العاملة وسعيها لما وراء الحدود الرأسمالية.

يتميز البرنامج الانتقالي بكونه نقاط عمل برنامجيه على مجموعة من المطالب والتي يستطيع الحزب الطليعي استنهاض الهمم عليها دونما الحاجة لقبول مسبق من الزملاء العمال لفكرة الثورة الاشتراكية. ومن أجل انجاح ذلك يجب على الشريحة التقدمية من العمال الاستعداد باستمرار بعمل دعاية ممنهجة للحلول الاشتراكية الثورية بالإضافة لاستعداد الحزب الطليعي لاستخدام البرنامج الانتقالي. إننا لا نستخدم أي نوع من انواع التحايل او الخداع فنحن نقول وبوضوح وعلانية لبقية طبقتنا اننا نؤمن ان الثورة الاشتراكية هي الحل الوحيد. وإلى الذين لا زالوا غير متفقين معنا فإننا نقترح عليهم النضال معاً لأجل مطالب ملموسة وحقيقية ننتزعها من الرأسماليين والدولة الرأسمالية, والصراع كفيل بأن يرينا أي الاستراتيجيات حالفها الصواب. وكما شدد تروتسكي فإن البرنامج الانتقالي يصلح كبديل لبرامج الاصلاحيين ولكنه لا يغني عن برنامج الحد الأقصى الذي نناضل من اجله علنا: الثورة الاشتراكية. وفي رأينا ان برنامج المطالب الانتقالية يؤدي إلى تحدي ثوري مماثل طالما تمكن الثوريون من دلنا على الطريق.

إن الاستخدام التكتيكي للبرنامج الانتقالي يعتمد على الظروف المحلية والمؤقتة بل ويعتمد قبل ذلك على وعي وحركة البروليتاريا. وإذا كانت الجماهير غير مستعد للتحرك والتحريض والدعوة للبرنامج الانتقالي فإن ذلك يحجب الثورة الاشتراكية ويعزز رواج الاوهام الاصلاحية. فالتحريض والدعوة للمطالب الانتقالية أثناء تلك المنعطفات يوحي بأننا نؤمن أن الدولة الرأسمالية بإمكانها تحمل عبء تحقيق واحتضان التحولات الهائلة في المصالح العمالية.

وسوف ندرج هنا قائمة ببعض المطالب الانتقالية الاكثر اهمية وتناسبا مع الظرف الراهن من أجل أن نوضح اسلوبنا:

إن خفض قوة العمل يصب على تحو متزايد في صالح الرأسمالية تستخدمه كسلاح في الصراع الطبقي. ونحن نطالب بحق التوظيف للجميع وبرنامج شامل للوظائف العامة بالإضافة لمعدل تنازلي لعدد الساعات من أجل ايجاد وظائف للجميع. وبما أن هذا يتعارض بطريقة مباشرة مع احتياجات الرأسماليين في خفض الأجور من أجل رفع معدلات ارباحهم فإننا نصر على ان هذا الطلب منطقي ومشروع كمطلب انساني بغض النظر عن الاعتبارات الربحية. والثروة والموارد اللازمة لهذه الاجراءات والمعايير لا يمكن إيجادها إلا من خلال انتزاع الملكية الرأسمالية: تأميم البنوك والمصانع بدون تعويضات!

التضخم هو مرض متوطن في الرأسمالية أثناء انهيارها في حقب زمنية ودول مختلفة. نحن ندافع عن معدل تصاعدي للأجور بالإضافة لاستقلالية الأرباح.

عنف الشرطة تجاه الطبقة العاملة ولا سيما الشرائح المظلومة منهم يتصاعد بشدة بالتوازي مع هجمات بلطجية اليمين. إننا نساند حق العمال في الحماية الذاتية وحقهم في تكوين ميليشيات وحقهم في التسليح كخطوات تمهيدية تجاه بناء القوة العمالية المسلحة الثورية.

أصبحت خصخصة الدولة لوسائل الانتاج المملوكة لها سلاح واسع النطاق في يد الطبقة الحاكمة لتقليص مكاسب العمال وخصوصا في الدول الستالينية ودول ما بعد الستالينية. ومن اجل الوقوف في وجه خصخصة وسائل الانتاج فإننا ننادي بتأميم فروع وشركات المصانع المنتجة للسلع او التي توفر وظائف حيوية للوجود العمالي تأميم بدون تعويض. إننا نقاوم طرح الأشكال الضيقة وذات الوصاية الحكومية وأشكال الادارة الذاتية للعمال كحلول حقيقية طالما لم تطرح في سياق الاستلاء على سلطة الدولة.

اليوم اضافت المنظمة الاممية الشيوعية الرابعة الي قائمة المطالب الانتقالية طلب حاسم بالتنصل من الديون. هذا ينطبق علي البلدان المضطهدة والمستغلة من قبل البنوك الامبريالية وصندوق الننقد الدولي . ايضا بالنسبة لديون العمال التي تشكل اهميةخاصة عند سلطات الدولة باستخدامها لانكار حقوق العمال.

يجب علي الحزب الثوري في كل الاحوال اظهار الاثار الثورية لمطالب المرحلة الانتقالية الخاصة بالعمال. علينا ان نقاوم كل مفاهيم أن الاصلاح والنضال الجزئي في بعض القطاعات من الممكن ان يحصل على مكاسب دائمة في تلك الفترة. ويهدف البرنامج البروليتاري الي توحيد ومركزة النضال العمالي. كما يشير لأهمية دخول العمال العاملين بالدولة في هذا الصراع.

باختصار يمكن القول بان الحزب الثوري يعتمد علي نضال البروليتاريا ووعيها السياسي .اما مناورات اي طبقة اخري فلايعول عليها. إننا لا نعتقد في مرحلة حشد الدعم الشعبوي أو المرحلة الاصلاحية كتمهيد لمرحلة الطبقة العمالية الثورية في النهاية. إننا نقول الحقيقة الآن وإذا كان لا يستمع إلينا الآن سوى عدد قليل من الطليعة العمالية, ثم اولئك الذين سيكونون كوادر حيوية للتطوير الشامل في المستقبل. نحن لن نلتف خلف ظهورهم لنصل للعمال الأقل وعيا. إننا نتبع المنهج اللينيني في بناء الحزب. وقبل ان يصبح حزبا جماهيريا فإننا يلزمنا أن تقوم نواة من العمال التقدميين بإثارة مطالب الجماهير من اجل أن تري بقية العمال التقدميين أننا نعرف الطريق إلى الأمام.

مبدأيا فإن الثوريين الحقيقيين لا يخفون رايتهم وبرنامجهم وحزبهم المستقل. وإننا نشعر بالفخر بينما نقول الحقيقة للطبقة العاملة. وتتجسد الصياغة الرائدة في ما نحن عليه وما يجب أن نعلنه لطبقتنا في اسمنا: المنظمة الشيوعية للأممية الرابعة.